منتديات تونس للتعليم
زائرنا العزيـز مرحبـا بك في منتديـات تـونس للتعـليم ونرجـو ان تجـد فيها مـا يفـيدك من دروس وفـروض واختبارات لمختلف مراحل التعليم في تونس
ويسعـدنا ان تتفضل بالانضـمام الينـا و تثـري منتـدانا بمساهماتك التي تنفع بها غيرك و تكون باذن الله في ميزان حسناتك طالما انها كانت لوجه الله.
منتديات تونس للتعليم
زائرنا العزيـز مرحبـا بك في منتديـات تـونس للتعـليم ونرجـو ان تجـد فيها مـا يفـيدك من دروس وفـروض واختبارات لمختلف مراحل التعليم في تونس
ويسعـدنا ان تتفضل بالانضـمام الينـا و تثـري منتـدانا بمساهماتك التي تنفع بها غيرك و تكون باذن الله في ميزان حسناتك طالما انها كانت لوجه الله.
منتديات تونس للتعليم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات تونس للتعليم

أحلى دليل للتربية والتكوين والتعليم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الفنان و المفكر و الانسان في رواية الشحّاذ: عمل تأليفي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
abouilyes

abouilyes


عدد المساهمات : 2
تاريخ التسجيل : 15/08/2010

الفنان و المفكر و الانسان في رواية الشحّاذ: عمل تأليفي Empty
مُساهمةموضوع: الفنان و المفكر و الانسان في رواية الشحّاذ: عمل تأليفي   الفنان و المفكر و الانسان في رواية الشحّاذ: عمل تأليفي I_icon_minitime2011-04-26, 01:08

الفنّان و المفكّر و الإنسان
في رواية الشحّاذ لنجيب محفوظ
بعدارتياد محفوظ للواقعية واستنفاد أدواتها وشواغلها وملامسة بعض القضايا المجردة فيها كمنزلة المبادئ في حياة الإنسان ومعاني الحياة والموت، انفتح له في تجربته الروائية باب ذهني وفلسفي كتب في إطاره جملة من الروايات أهمها "الشحاذ" لأنها رواية البحث، بحث صاحبها في خضم المشارب الروائية عن تقنيات مناسبة، وبحث بطلها في خضم الوجود عن اليقين والمعنى وبحث القارئ في دلالتها الفكرية والاجتماعية والنفسية.
فما هي تلك التقنيات الروائية؟ وما خصائص رحلة البطل يبحث عن اليقين؟ وأي أبعاد للرواية جعلت القارئ يرتحل في أوساعها؟
1/ رحلة البحث الفنية:
أ- هيكل الرواية:
1)- الفاتحة: تبدأ الرواية من "نقطة التمفصل" حيث يتقاطع اتجاهان اتجاه الماضي الذي يعود فيه البطل إلى المسافة الزمنية المقطوعة قبل أن تبدأ الرواية ، واتجاه الحاضر الذي تتحرك فيه الرواية. وتمثل " لحظة التمفصل" لحظة انعتاق من قيد العادة والرتابة والركود أي مجاوزة ذلك المرض الغريب الذي انتاب عمر الحمزاوي فكدّر عليه صفو حياته وفي هذا يقول صبري حافظ "تبدأ الشحاذ من لحظة تغّير حادة، من نقطة فاصلة بين واقعين ... من اللحظة المتأرجحة التي تشي بالماضي والحاضر معا وتعد في الآن نفسه بطلائع المستقبل وتفاصيله" (مجلة المجلة أفريل 1966).
وتقدح لحظة التمفصل هذه - باعتبارها لحظة حرجة- رحلة البحث القلق رغبة في تخطي الراهن وتجاوزه.
←تقطع بداية "الشحاذ" مع الفواتح في الروايات التقليدية حيث يحتفل الراوي بتقديم الأطر والشخصيات دفعة واحدة فإذا الفاتحة في الرواية الجديدة لم تعد تمهيدا افتتاحيا بل "لحظة حافزة" وعلة ذلك أن البطل في رواية الشحاذ يظهر وهو محمّل بأعباء الماضي فإذا الفاتحة لحظة لاحقة في مسيرته بخلاف البطل في الرواية التقليدية الذي يولد في بدايتها، لحظة الخلق.
←إن بناء الرواية الذهنية يوهم بالتداخل والفوضى وعلّة ذلك أن لا نظام يحكمها إلا نظام البحث وبما أن رحلة البحث متداخلة متشعبة، مرتدة حينا دافقة حينا أخر، جاء بناء الرواية موسوما بتلك الخصائص، إنه بناء ذو إيقاع متحول وهذا ما أكده غالي شكري بقوله:" إن البحث نفسه الذي يحتمل الجديد مع كل نفس يردده الإنسان، هو الطريق وهو الغاية، ولا شك أن مرارة الصراع بين ما هو يحتمل أن يكون، بين المعرفة بالماضي والجهل بالمستقبل هي محور البناء الروائي في أدب محفوظ الجديد" (المنتمي ص 37).
2)- الفعل الروائي:
* التركيز والتكثيف: "الشحاذ" حكاية واحدة هي حكاية الحمزاوي فلم تعد مثل الرواية التقليدية "قصة مجتمع" بل صارت قصة شخصية واحدة، إنها مغامرة في ضمير البطل وآية ذلك أنه أول من ظهر في الرواية وهو آخر المختفين كما لم يغب عن القارئ ولو لحظة واحدة من عمر الرواية.
* تجاوز مبدأ العلّية: لم تعد الأحداث منتظمة عليّا كما في ضروب القص التقليدي بل تم كسر الخطيّة فإذا الرواية جماع عوالم متداخلة بؤرتها شخصية البطل. ومن علامات ذلك أن جاء البناء الزمني مشوشا، وأن تتابعت الأحداث نصّا دون أن تتماسك منطقيا. ففشل تجربة الجنس مثلا لا يقتضي بالضرورة تراجعا عن كتابة الشعر ولا يفضي قسرا إلى الخلوات الصحراوية... وهذا ما طبع بناء الرواية بالتفكّك الذي يؤكّده إسراف في اعتماد الصدفة فمارجريت سافرت صدفة وخروج عثمان من السجن كان صدفة وكذا إصابة البطل برصاصة...ويعود هذا التداخل إلى أن الفكرة هي الخيط الرفيع الناظم لبناء الرواية الذي جاء مجانسا لمعنى البحث ولمسيرة البطل يجوس في عوالم مختلفة.
* المراوحة بين الانفتاح والانغلاق: تبدأ الرواية منفتحة ثم تدرجت مع بحث البطل عن حل لأزمته إلى الانغلاق وكان ذلك تحديدا مع تجربة الحب إذ شارف البطل "النشوة المستعصية" فنبض وجدانه بشوق غريب لكن سرعان ما تلاشت هذه النشوة مع ظهور مارجريت وإذا الحل مجرد وهم " فنشوة الحب لا تدوم ونشوة الجنس أقصر أن يكون لها أثر" إذ عاوده الإحساس القاتل بالمرض وانطلق من جديد في رحلة البحث تقوده تجربة جديدة هي تجربة التأمل والتصوف التي خلناها الحل السحري "فهذه هي النشوة، اليقين بلا جدل ولا منطق" وهو ما جعل بعض النقاد يعتبرون الفصل الثالث عشر "النهاية المنطقية للرواية"، لكن القلق يعاود البطل فيستأنف رحلة البحث لتكون الفصول الأخيرة (17/18/19) هي الفصول الغالقة.
← كذا هو بناء الرواية وهم وإيهام، وهم البطل بيقين زائف وإلهام القارئ بانفراج العقدة فإذا النهاية تشاكل البداية في انفتاحها.
ب ) - اطر الرواية:
1)- الزمان: ورد الزمن مشوّشا غير منتظم خطيّا إذ تعدّدت اللواحق والسوابق فامّحت الحدود الزمنية ليهيمن الزمن الذاتي وهو زمن الديمومة، سمته الانسياب يفيض على أطر الرواية الزمنية وحدودها، فيمتد من ماضي البشرية البعيد، من العصر الحجري إلى العصر الحالي: "وانحدر من الجبل قوم عرايا مدججون بالأحجار فتصدى لهم آخرون ...ودارت معركة عنيفة وعلا الصراخ وسالت الدماء... فرأيت جموعا تعكف على الأرض تحرثها وتزرعها وقوافل تسير محمّلة بالبضائع ." (الفصل 18 ص ص 160/ 161)
2)- المكان: ترواح الرواية بين أماكن منغلقة وأماكن منفتحة وكلاهما وظيفي وفاعل يوحي بالأحوال النفسية:
* الأماكن المنغلقة: تتزامن مع التأزم والاختناق (المكتب / البيت / العيادة )
* الأماكن المنفتحة: تتزامن مع البحث والإنعتاق ( الملهى بما فيه من نشوة حسّية / نشوات الهرم مع مارجريت / نشوة اليقين في الصحراء ...) .
كما تضمّ أماكن ذات دلالة رمزية مثل الأهرام الدالة على الإطلاق واللانهاية فتحرّر البطل من حدود الزمان والمكان بحكم امتدادها في القدم وتجسيدها لشوق الإنسان إلى الخلود. وكذلك الصحراء الدالة على مطلق المعنى المنشود وتناسبها معه "وها أنا أضرع ...إلى حبة الرمل أن تطلق قواها الكامنة وأن تحرّرني من قضبان عجزي المرهق." (الفصل 13 ص 17).فضلا عن الأماكن التي تتلون بباطن البطل فيقوم تناسب بين العالم النفسي والعالم الخارجي. (لوحة الطفل والأبقار والأفق مثلا ).
ج)- الشخصيات: يركّز نجيب محفوظ على شخصية واحدة هي البطل الفرد الذي ينطوي تكوينه التراجيدي على قضية فكرية هي انعكاس حاد للقضايا التي تؤرق بقية الأفراد. إن رواية الشحاذ مغامرة في ضمير البطل ولا وجود لبقية الشخصيات خارج وجوده إذ لا نتعرف عليهم إلا من خلال ذكرياته وتصوراته ولا نعرف عنهم إلا ما يعرفه البطل نفسه فنحن لا نعرف وردة –مثلا-إلا عندما يتعرف عليها البطل ثم تختفي من الرواية بمجرد زهده فيها ثم تظهر في خيالاته وأحلامه صورة مركبة مع صورة زينب (الفصل 18 ). وحتى مصطفى المينياوي الذي كان ظهوره كثيفا قياسا على بقية الشخصيات. لم يظهر أبدا في غياب عمر الحمزاوي.
← إن سائر الشخصيات وجوه ممكنة لشخصية البطل إنها شخصية واحدة تنقسم وتتعدد فيتمّ التعبير عن الجوانب الخفية في شخصية البطل من خلالها فهو واحد متعدد.
* الواحد المتعدد:
- مصطفى: تحول من فنان إلى "مهرج في السيرك" أو إلى "بائع لب وفشار" إذ حوّل الفن إلى أداة للتسلية، إنّه وجه من وجوه الانتهازية فهو في ضعف شخصيته وتبعيته المطلقة لعمر الحمزاوي يمثل رافدا يصب في شخصية البطل، هو وجه تجسيدي من وجوه أزمته وعلامة من علامات مرضه البرجوازي وتخليه عن مبادئه وعن نضاله، والركون إلى السهولة والإثراء.
- عثمان خليل: إنه يعتبر ممثلا للملايين ولا يعني إلاّ معنى وحيدا للحياة هو مسؤوليته النضالية وذلك هو اليقين عنده وهو بهذه الصورة لا يعدو إلا صورة ذهنية للإلتزام الثوري، وهو إنسان لا يؤمن بالقلب الذي يعتبره مجرد "مضخة للدم".
إنه يمثل تجسيدا لثورية عمر ثم تحوّل إلى قبر لهذه الثورية عند بقائه في السجن طيلة عشرين سنة. و هويمثل ماضي عمر الذي خرج من السجن فأصبح يخشاه ويتجسّم ذلك خاصة في أحلام اليقظة عندما اختلطت صورته بصورة ابنه سمير. "وإذا بسمير يثب إلى الأرض متخذا من رأس عثمان رأسا له ثم يحبو نحوي وفزعت فعدوت والكائن المركب من سمير وعثمان يتبعني."
- زينب: تمثل صورة النجاح المالي والاجتماعي للبطل " وتنهض الزوجة رمزا للمطبخ والبنك"
- بثينة: تمثل ماضي عمر الشعري ومنشوده العلمي المفقود هي صورة المعادلة بين العلم والفن.
د)- الأدوات الروائية:
1/ السرد: جاء السرد متصلا بالبطل بل إنه القائم به في مواضع كثيرة ولذلك تكشف الرواية عن تصرف واضح في سرد الأحداث وترتيب الأزمنة فيحضر السرد المجمل حين يختزل البطل بعض وقائع من حياته وفي المقابل يمطط بعضها الأخر، فيرصد الجزئيات والتفاصيل وذاك ما يجعلنا نجزم أن مركزية البطل ووطأة الخواطر هي الموجّه الرئيسي في تحديد نظم السرد.
إن الشخصية حين تستدعي بعض الأحداث من الماضي أو تسقط بعضها الأخر فإنّما ذلك يتصل بأزمة البطل وشواغله.
2/ الوصف: استقر للوصف دور في الرواية التقليدية يتمثل في رسم الفضاء الروائي وتحديد ملامح الشخصيات والمرئيات عموما لتكون "خلفية جمالية للمشهد" وقد برع محفوظ في رواياته الواقعية (الثلاثية مثلا) في تصوير أحياء القاهرة وأزقتها. لكنه في رواية الشحاذ يفاجئنا بضرب جديد من الوصف لا يعنى إلا بالوظيفي من الملامح التي لها صلة بنفسية البطل. فإذا الوصف لا يرصد فضاءا مرجعيا بقدر ما يبرز عالم الشخصية الباطن ويقرّب أحاسيسها ويوضح انفعالاتها، بل نراه يسقط على الأشياء انفعالات الشخصية حتى تعبر عن ما يمور في باطنها "ثم ازداد ضياء الكون منذرا بنهاية الفجر وازداد في نفسه دبيب إفاقة ينذر بالهبوط إلى الأرض" .
← هكذا لم يعد مدار الوصف نقل المرئيات وإنما صار إحساسا مداره الوجدان ففقدت الأشياء وجودها الواقعي لتصير مرايا تنعكس عليها حالات النشوة والقلق. فإذا نحن نرى الأشياء في رواية الشحاذ لا كما هي، بل من خلال منظور البطل فكأن الراوي ينسحب ويعير صوته له.
3/ الحوار: تكمن وظيفة الحوار الرئيسية في نقل الأقوال الدائرة بين الشخوص فتنكشف مواقفها وآراؤها المتباينة ، لكن الحوار في رواية الشحاذ -على كثافته وأهميته- لم يتحرر من هيمنة البطل فإذا هوبتفاوته حينا وتقطعه حينا آخر واتصاله بالماضي أحيانا (تذكّر مقاطع حوارية) عبّر عن ذات قلقة، وتتعزّز هذه الفكرة حين نرى أن أغلب الحوارات لم تنته إلى اتفاق وتفاهم مما يعمق الشعور بالقطيعة بين البطل والناس حتى استحال حوار صمّ....
4/ آليات الاستبطان: (كشف الباطن)
* الحوار الباطني: هو حديث الذات للذات بلا واسطة تتجلى قيمته في الصدق الذي يكتنفه إذ أننا نرصد الانفعال والشعور لحظة ولادتهما في نفس البطل وهذا ما يفسر حذف العلامات الممهدة للحوار الباطني.
* الحوار الباطني الموجه إلى صاحبه: وفيه الانفصال بين الضمائر يشي بانفصام الشخصية فكأن البطل يجرّد من نفسه ذاتا يحاورها علامة قطيعة مع الآخر فيكون الانكفاء على الذات معّبرا عن أزمة الاغتراب حيث التمزق الباطني والتصادم الذاتي من ذلك قول عمر الحمزاوي" من الآن فصاعدا أنت الطبيب فأنت حر، والفعل الصادر عن الحرية نوع من الخلق".
* الحوار الباطني الموجه إلى الأخر: وهو حوار خيالي لأنه ضرب من المناجاة لا تتجاوز ذات صاحبها، يلوذ به البطل حين يعجز عن مواجهة الآخر ومصارحته لذلك كثيرا ما تخلل هذا الضرب من الحوار الحوار المباشر" دكتور حامد صبري إني أعرف ما تريد، تريد طي ربع قرن من الزمان وأن تضحك ملء شدقيك ".
* الحوار الباطني السردي: هو خطاب جامع بين خصائص السرد وطبيعة الاستبطان ويقوم بدور تلخيص بعض الأحداث أو مراجعة التجارب ويرد نصيا دون فواصل أو علامات حتى أنه يلتبس أحيانا بالسرد فإذا القصّ في رواية الشحاذ زئبقي :" وقديما قطع الشاب الطويل النحيل ابن الموظف الصغير القاهرة طولا وعرضا على قدميه دون تذمر".
* الرؤى وأحلام اليقظة: الحلم أو الرؤيا مطيّة تخترق حدود الزمان والمكان وتتخطّى ضوابط العقل والمواضعات. لجأ إليها محفوظ في آخر الرواية (الفصل 18/19) كي يتيح للقارئ مرافقة البطل إلى تلك العوالم المجهولة التي ارتادها حيث سافر في تاريخ البشرية وأعاد خلق الشخوص وتشكيل ملامحها "تبدت زينب برأس وردة، ووردة برأس زينب، ولبس عثمان صلعة مصطفى ونظر مصطفى إليّ بعيني عثمان. وإذا بسمير يثب إلى الأرض متخذا من رأس عثمان رأسا له ..." (الفصل 18)
* التحليل النفسي: وهوتحليل الانفعالات والمشاعر وكثير ما يلتبس هذا النوع من الخطاب ببقية الأنماط وآية ذلك النص الافتتاحي للرواية حيث يتم الانتقال من الخطاب الوصفي إلى التحليل النفسي دون علامة: "وأحبّ الطفل اللاعب المستطلع والأبقار المطمئنة. ولكن ازدادت شكواه من ثقل جفونه وتكاسل دقات قلبه..." ويسمى هذا النوع من الإستبطان القصّ النفسي.(psycho-récit)
* التذكر: كثيرا ما يتم استدعاء الماضي بطريقة عفوية عبر التداعي الذي يتيح الوقوف على روافد أزمة البطل وقد عّبر هذا الأسلوب عن الذات القلقة المتمزقة، وكشف حدّة التغييرات التي طرأت على مسيرة عمر الحمزاوي خاصة.
← تكشف الأدوات الروائية في تنوعها وتداخلها تعقّد الرواية وجدّة الأدوات التي جعلتنا نلج إلى عالم النفس المعقّد وقد كشف اعتماد محفوظ على تقنيات الإستبطان بحثه في خضمّ المشارب الروائية عما يتيح تصوير الانفعالات والخواطر التي تنتاب الذات في لحظات قلقها وانتشائها. فإذا الخطاب الروائي صورة لنفس البطل في توقها إلى الخروج عن مألوف السبيل وفي بحثها عن اليقين.
ه)- خصائص اللغة:
1/ الشعرية: لأن مجال الرواية هو النفس واللاشعور ولأن من أهم أدواتها الهذيان والرؤى والأحلام اتّسمت اللغة بالشعرية، فإذا المجازات والتشابيه كثيرة بل إننا لا نبالغ إذ اعتبرنا "لحظة اليقين" (الفصل 13) والفصول الثلاثة الأخيرة كالقصيدة من الشعر النثري لأنها مكتنزة بالصور الشعرية. فحرص محفوظ على رصد التداعي النفسي جعله ينتقي من اللغة تعابير استعارية مما أدى إلى توقيع الكلام ببعض أجراس وصور تجعله شعريا فعلا. من ذلك قوله: : متى اليوم الذي يغيب عنك السرو و ما يحدق به، يوم تسكن أشجان الليل المستقطرة من هسيس النبات ... وتتلاشى أصداء الترانيم الهندية والتأوهات الفارسية فتستقبل شعاع النشوة الوردي بلا وسيط. نشوة الفجر العصماء العصية لتشدّك بقوّة المجهول إلى قبّة السماء.هناك لن يعرف قلبك النوم ولا حواسك الصحو" (الفصل18 ص198)
وبذلك أصبحت لغة ثرية مكتنزة زادها الإيحاء والترميز كثافة.
2/ الرمزية: أصبحت اللغة لا تحيل على الواقع أو على ما اعتادت عليه الكلمات بصفة مباشرة بل صارت توحي بقضايا الذهن وعالم الباطن، فتقول بغير سفور من ذلك حديث عمر عن حلم الثورة والشعر:" واندفعنا برعشة حماسية إلى أعماق المدينة الفاضلة ... واختلت أوزان الشعر بتفجيرات مزلزلة ... واقترحنا جاذبيّة جديدة ...وعندما اعترضتنا دورة فلكية معاكسة انتقلنا من خلال الحزن والفشل إلى المقاعد الوثيرة".
لقد "أصبحت الكلمات تعكس كثيرا من المعاني في النفس كأنها كلمات شعرية مليئة بالضلال والإيحاءات وذلك كله على عكس أسلوبه (محفوظ) القديم الذي كان في معظمه أسلوبا تقريريا خاليا على التقريب من روح الشعر" (رجاء النقاش).
← هكذا آلت رحلة البحث الفني إلى تقهقر الواقع هاجسا والواقعية أسلوبا رغم أن البعد الواقعي مثّل خلفيّة للرواية فإذا البناء يدحر مقتضيات العليّة والخطيّة ويحور العلاقات بين الشخصيات فما عاد الصراع التقليدي يحكمها، جنوحا إلى ارتياد آفاق الذهن واستبطان أغوار النفس. فاقتحم نجيب محفوظ فضاءات روائية جديدة دلّت على وعيه بقصور الوسائل الفنية الروائية التقليدية و بضرورة إيجاد طرائق جديدة قادرة على استيعاب شواغل المرحلة وتعقيداتها لترسم تجربة الإنسان المعاصر شحاذا لا يسأل الناس مالا وإنما يبحث" في خضم الوجود عن معنى" .
رحلة البحث عن اليقين والمعنى:
أ) روافد الأزمة (منطلقات الأزمة): انفتحت الرواية والبطل يعيش لحظة حرجة مأتاها مرض غريب ألمّ به فجأة فانبرى يستكشف الذات ويسائلها فأطلعنا على روافد أزمته الذاتية والاجتماعية:
* الروافد الذاتية: تتمثل في الشعور المقيت بالخمود والضيق واللامبالاة "المسالة خطيرة مائة في المائة، لا أريد أن أفكر وأن أشعر أو أن أتحرك، كل شيء يتمزق ويموت" ثم أصبحت حياته بأكملها محل استفهام ما فتئ يحتدّ عند الوقوف على المسار الارتدادي للبطل فقد تخلى عن أحلام "المدينة الفاضلة" وعن الشعر الذي كان يملأ كيانه وانخرط في حياة رتيبة همها الإثراء لا غير.
* الروافد الاجتماعية: تتمثل خاصة في الوضع الطبقي الذي يعيشه حيث انتهى "إلى مستنقع من المواد الدهنية "وطغت المادة على سائر الشواغل وهو ما عينه الدكتور حامد صبري "دعني أصف لك حياتك كما استنبطها الكشف، أنت رجل ناجح، ثرىّ تأكل فاخر الطعام وتشرب الخمور الجيّدة وترهق نفسك بالعمل ...ودماغك دائما مشغول بقضايا الناس وأملاكك".
← تكشف تداعيات البطل واعترافاته روافد أزمته ومنطلقات رحلة بحثه التي تنبئ كل الدلائل بتشعبها وخطورتها.
ب) البحث عن وسائل التجاوز: التجارب
شرع الحمزاوي بعد اكتشاف عقم الرموز السابقة في اختبار جملة من الأدوات والخوض في عدد من التجارب تباعا وكان لزاما أن يتحرر من وطأة حياته السابقة وقد كان ذلك في نسق متدرّج:
- التخلي عن النمط المعيشي السابق.
- التحرر من أعباء العمل.
- التخلص من القيد الاجتماعي: الزوجة ثم الأسرة.
غير أن ذلك لم يسعفه بالتوازن والسكينة فخاض غمار أربع تجارب:
1- تجربة الفن: مثّل حوار البطل مع بثينة قادح هذه التجربة إذ ذكّرته بماضيه "وقرّبته من أجواء الإبداع الشعري" لكنه لم يستشعر الحماس الكافي لخوض غمار هذه التجربة فعليّا ليقينه بأن واقعه يتجافى مع الفنّ وحتى تلك النشوة التي حقّقها مع وردة لم تكن كافية لدفعه إلى رحاب الإبداع.
← "لم تستقل هذه التجربة بطور من الرواية بيّن الحدود" (الصادق قسومة)
← لم تتجاوز هذه التجربة حدود الإرهاصات الأولية.
2- تجربة الحس: تاقت نفس الحمزاوي إلى، عالم اللّدة الحسية عسى أن تهتز الأعماق. وقد أنبأت عديد المؤشرات بهذه التجربة إلا أن القادح المباشر لتجربة الحس تلك "الأغنية المتفجرة" التي ترنمت بها مارجريت "نجمة "باريس الجديدة".
"كلما رأيتك كثيرا ازدادت شهوة
وكلما ازدادت شهوتي زاد لهيبي"
فأضرمت في الأحشاء شوقا عارما إلى اللذة وباتت الأنثى في نظره تجسيدا حيا للحياة " ثم كانت حياته الجديدة مع وردة التي انصرف إليها بكل جوارحه فلامس " النشوة المستعصية" وصرّح قائلا " لم أعرف للحياة طعما كما عرفتها في الأيام الأخيرة ولذلك لا أبالي شيئا" لكن الخمود عاوده فحاول تلافي ذلك "بالمغامرات الليلية" "فكل ليلة يذهب بامرأة من هذا الملهى أو ذاك أو حتى من الطريق ..." وعبثا يفعل ،ف"نشوة الحب لا تدوم ونشوة الجنس أقصر من أن يكون لها أثر".
←هكذا يخيب المسعى مجددا فتتجدد الأزمة أحدّ من السابق فيشدّ الرحال إلى رحلة بحث جديدة.
3/ تجربة التصوف: دفعه زهده في الدنيا إلى الاختلاء بالذات فكانت المكاشفة الباطنية والالتحام بالمطلق ذات ليلة في الخلاء "فرقص القلب بفرحة ثملة واجتاح السرور مخاوفه وأحزانه ... وشملته سعادة غامرة ... وأظلّه يقين عجيب ... وملأته ثقة لا عهد له بها ... وترامت الدنيا تحت قدميه حفنة من تراب" تلك هي النشوة أو "اليقين بلا جدال ولا منطق"
" لكن الإفاقة لم تلبث أن عاجلته فنسفت إحساسه الباهر، لكنها لم تجتثّ شوقه العارم إلى استعادة تلك اللحظة" (الصادق قسومة: ص 33)
4/ تجربة العزلة: تدرّجت هذه التجربة من الإغراب في الأحاسيس إلى الإغراب في الأفعال وصولا إلى الرحيل حتى "يزيح الدنيا عن عاتقه، وكان له ذلك في كوخ على مشارف الصحراء حيث أخذ يتقلب بين الواقع والحلم وبين الوعي واللاوعي وداهمته رؤى غريبة وأخيلة غامضة "وتهتكت القوانين التي تحكم الكائنات".
ج) نتائج البحث: تجددت الخيبة من تجربة إلى أخرى وكان عذاب الوجود يتضاعف كل مرة حتى بلغ به المطاف إلى تخوم الجنون ... ثم أصابته رصاصة طائشة فخامره "شعور بأن قلبه ينبض في الواقع لا في الحلم".
← كذا هي رحلة البحث عن اليقين تؤكد نزعة الرواية إلى ارتياد أفاق الذهن واستبطان أغوار النفس، ولذلك فإن بحث عمر الحمزاوي وما لابسه من قضايا ذهنية ونفسية مثّل مجالا رحبا لرحلة القارئ في أوساع الفكر والمجتمع والنفس.
3/ رحلة القارئ في الفكر والمجتمع والنفس (الدلالة):
أ- القضايا الفكريّة: تداخلت في الرواية شبكة من القضايا الفكرية يمكن إجمالها في النقاط التالية:
* قضية المعرفة: تطرح الرواية تراوح الإنسان بين القلب والعقل، بين الروح والحس وتثير سؤال الحقيقة والسبيل إلى بلوغها، المادية أم العقلانية أم الروحانية؟
* قضية المعنى: معنى الحياة وقيمة الانجاز البشري:
- الإنسان بين الانفراد والاجتماع.
- الإنسان بين ضرورات الواقع ومقتضيات الثورة.
* منزلة العلم والفن في العصر الحديث:
- الإنسان بين خيالات الفن واستلهاماته وحقائق العلم ومعادلاته وتؤدي هذه الثنائية إلى القلق والحيرة "فالعلم لم يبق شيئا للفن، ستجد في العلم لذة الشعر ونشوة الدين وطموح الفلسفة،
- اغتال العلم موضوعات الفن فسقط في التسلية والتهريج وفقد معناه "اقرأ أي كتاب في الفلك أو في الطبيعة أو في أي علم من العلوم وتذكّر ما تشاء من المسرحيات أو دواوين الشعر ثم اختبر بدقة إحساس الخجل الذي سيجتاحك".
* علاقة الفن بالإنسان والواقع: تقدم الرواية عبر شخصياتها تنويعات شتى لوظيفة الفنّ:
- عمر: ضياع الفن بين آلام الفرد والقضايا الكلية المطلقة.
- مصطفى: الابتذال والتسلية والاستهلاك الرخيص.
- عثمان: الفن الملتزم بقضايا الشعوب.
← هكذا كانت رحلة القارئ في رحاب الفكر تحاور تياراته وتردد أصداءه من الوجودية إلى العقلانية إلى الصوفية.
ب- القضايا الاجتماعية:
* التحول الاجتماعي في مصر: ارتسمت ملامح المجتمع بعد ثورة (23 يوليو 52) وما تلاها وما اعترى الواقع من خلل ونقائص أبرزها نجيب محفوظ من خلال الشخصيات وما تعبر عنه من مواقع اجتماعية مختلفة وخاصة شخصية البطل إذ يقول:"إننا نتحطم واحدا بعد آخر" ويمثل مآل عمر تكثيفا رمزيا لمآل طبقته البورجوازية يقول عبد الرحمان أبو عوف في ذلك:"إن جذور أزمته الروحية (عمر) هي في حقيقتها أزمة مصير طبقته التي فقدت الأسانيد الاجتماعية في حياتها ومزقتها لعبة التوافق والسمسرة والمصالحة والرقص على حبال الصراع الطبقي. إنها تتفسخ وتشيخ وتتجمع منسحبة من الحياة لتغرق نفسها في غيبوبة صاخبة وجنس صاحب"
ج- القضايا النفسية:
* الاغتراب عن الواقع: تحجب النفس عن صاحبها القوى الفاعلة ومكامن القوة في الانسان فينطوي ويستلب دون أن يدري.
* تحولات الشعور الإنساني: بين الخواء والامتلاء والحماس والخمود والأمل والخيبة ، فالإنسان يخفي تحت هويته الواحدة الظاهرة وجوها كثيرة وعوالم متباينة.
←"الشحاذ" من هذه الناحية رحلة في الكيان الإنساني تسبر أغواره فتكشف مدى تعقد التركيب النفسي للإنسان المعاصر.
← إن أهمية هذه الرحلة، رحلة القارئ تتأكد من خلال ربط الرواية بين المعاناة النفسية والقلق الذهني من ناحية والتحول الاجتماعي من ناحية ثانية.
← هكذا وسعت رحلة القارئ رحاب الفكر والمجتمع والنفس وأكدت السمة التي يعتبرها بعض النقاد ميزة عالم نجيب محفوظ الروائي، إنه عالم يثير "جدلا لا يفضّ وتطرح مشكلات لا تحدّ".
← استوت رحلة القارئ في ضوء بحث فني عن الأدوات الروائية الأنسب خاضه مؤلف الرواية، وبحث فلسفي وجودي خاضه بطلها عمر الحمزاوي وهما بحثان عكسا كأبهى ما يكون تحولا جذريا في الرؤية والتعبير أو بعبارة أخرى جسّدا رحلة نجيب محفوظ في أغوار ذاته وعالمه وثقافته الروائية والفلسفية.
على سبيل النقاش و النقد:
* في الخصائص الفنية:
- فوضى البناء وتداخل الخطاب مما يربك القارئ ويطفئ جذوة التشويق.
- اعتماد العامية والحال أن الرواية تنأى عن الواقعية إلى الذهنية.
- شفافية الرمز أحيانا وسفور الفكرة أحيانا أخرى.
* في المضمون:
- قصور تجارب البطل نظرا لعدم ثباته على أرضية فكرية واضحة وعدم تمسكه بمواقف بّينة. وعدم قدرته أحيانا على تجاوز الحدود والعراقيل وتخطيها.
* في الدلالة:
- تداخل الأبعاد النفسية والاجتماعية والذهنية وتشتتها.
- تعدد الطروحات وتقاطعها: - الوجودية / الصوفية/العبثية
ختاما............
تقوم رواية الشحاذ بما فيها من بحث وتقص نموذجا أدبيا معاصرا يعبّر عن توق الأدب العربي إلى صقل أدواته وتجديدها وإلى فهم الذات وتفسير العالم والوجود وإن تعدّد طرائق التعبير وتداخل القضايا في الرواية ليضعنا أمام عمل قلق يناسب في شكله وروحه ومضمونه اللحظة التاريخية التي نشأ خلالها. فهل بلغت تجربة محفوظ الروائية الذهنية الاكتمال شأن التجربة الواقعية؟
أعدّها :نورالدين المقبلي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]









الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الفنان و المفكر و الانسان في رواية الشحّاذ: عمل تأليفي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» التغذية عند الانسان
» فرض تأليفي أول في دراسة النص
» فرض تأليفي في العلوم الفيزيائية
» فرض تأليفي في العلوم الطبيعية
» فرض تاليفي مادة الرياضيات

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات تونس للتعليم :: الباكالوريا :: شعبة الاداب-
انتقل الى: